الحوكمة والمؤسسات الجمعوية بالمغرب : علاقة بين الحضور والغياب

من Khadija ABERJI

Social

صاحبت التحولات المجتمعية العميقة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة نتيجة للثورة التكنولوجية الحديثة، خاصة الجانب الرقمي منها، صاحبت تغيرات بارزة في أساليب التدبير وأنماط الادارة ؛ فظهرت مفاهيم جديدة تبعث على أساسيات التدبير الإداري المعقلن والقيادة السليمة، اللذان يواكبان تطور الأعمال والمجتمعات، معلنان القطيعة مع النزعة البيروقراطية ومظاهر الادارة التقليدية. من بين هذه المفاهيم المتعددة، نتناول في هذا المقال، مفهوم الحوكمة في علاقته مع منظمات المجتمع المدني.

 

الحوكمة أو الحكامة واحد من المصطلحات المبهرة والغامضة التي شاع استعمالها في السنوات الأخيرة في مختلف المجالات، للدلالة على التدبير المحكم وحسن الأداء. وقد انحصر استعمال المصطلح في بداية ظهوره سنة 1975 بالولايات المتحدة الأمريكية على المجال المالي والاقتصادي، حينما تطرقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لقضية حوكمة الشركات. أما في الوقت الحالي، فلم يعد مصطلح الحوكمة مقتصرا على مجال معين، بل أصبح آلية محورية لضبط العمل داخل جميع المؤسسات، منها مؤسسات المجتمع المدني.

       

نشأ مفهوم المجتمع المدني في ظل الفكر اليوناني، من خلال كتابات ارسطو الفكرية، وتطور المفهوم خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، ليصبح آلية لإدارة الصراع الطبقي ولاستقرار المجتمع، خاصة مع تطور الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العالم الأوروبي، وكانت هذه نقطة البداية لإرساء نظم ومقومات المجتمع المدني.  

أما بخصوص المغرب، فقد ظهر مفهوم المجتمع المدني مع بداية فرض الحماية العسكرية سنة 1912 على البلاد، وبالاخص مع اصدار الظهير المتعلق بحرية التجمع وتأسيس الجمعيات سنة 1931 استجابة لمطالب الوطنيين الموجهة لسلطات الحماية الإسبانية.  

 

على غرار ذلك، عرف النسيج الجمعوي المغربي تطورا ملحوظا خلال العقدين الاخيرين مع تولي جلالة الملك محمد السادس حكم البلاد، وإيلاء هذه المؤسسات اهتماما واسعا كشريك في تدبير الشأن المحلي، خاصة من خلال الفصل 12 من دستور 2011 الذي منح امتيازات كبيرة للجمعيات. ومنه وجبت الإشارة إلى أن عدد الجمعيات المسجلة قانونيا بالمغرب تجاوز 200000 جمعية، بحسب ما أعلن عنه وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، بمناسبة اليوم الوطني للمجتمع المدني لسنة 2020، وهو مناسبة للاعتراف بدور النسيج الجمعوي في ربط القضايا المهمشة بمسار التنمية المجتمعية، وكذا تلبية احتياجات فئات من المجتمع، لم تلق اهتماما من الدولة ولا من القطاع الخاص.

  

وفي هذا السياق، فإن المؤسسات الجمعوية قطاع كامل ومستقل وجب تسييره وضبطه وفقاً لمبادئ الحكامة الجيدة قصد بلوغ اهدافه  بطريقة ناجعة وتحقيق مردودية اجتماعية عالية. ومن ابرز هذه المبادئ نذكر: العدالة، الشفافية، المسؤولية والمحاسبة. وهي مبادئ ليس من السهل توافرها واجتماعها في مؤسسة معينة، لكن الأمر لا يسثحيل كذلك.

 

في الواقع لا يختلف اثنان على أن منظمات المجتمع المدني فرضت وجودها بقوة في الساحة المغربية في العشرين سنة الأخيرة عن طريق النهوض بالأعمال الاجتماعية وخلق المبادرة الذاتية ونشر الثقافة الجمعوية وأهدافها. لكن يبقى أسلوب تسييروادارة هذه المؤسسات محور تساؤلات كثيرة، لعل أبرزها يخص مدى حضور أو غياب مظاهر الحوكمة في المؤسسات الجمعوية بالمغرب.

 

اذا انطلقنا من كون النسيج الجمعوي حلقة وصل بين الدولة وعامة المواطنين، من خلال شرح وتبسيط البرامج، خاصة الاجتماعية والحقوقية للمواطنين في جميع أقطار المملكة، وكذا نقل أكبر الاشكالات والمشاكل التي يعانون منها الى مسامع وأنظار المسؤولين الحكوميين قصد ايجاد حلول لها، فالنسيج الجمعوي يقوم بدور مهم في المسار التنموي وتجويد الحياة السياسية والاجتماعية والعامة وأيضا في خلق فضاء للمشاركة والتفاعل وممارسة المواطنة، وهو بذلك يكرس مبادئ الحكامة الجيدة. وحضور الحوكمة كمبدأ تدبيري أو اداري داخل المؤسسات الجمعوية يستشعر كذلك من طبيعة أهدافها. حيث انها تسعى لخدمة الشأن العام  وتفعيل ملموس لمظاهر العدالة الاجتماعية والاقتصادية والمجالية بأساليب مشروعة.  وبعمله كجهاز مستقل عن الدولة يمكنه انتقاد السياسات الحكومية بما يعود بالنفع على المواطنين،  خصوصا في مجال الحقوق والحريات مما يجعله شريكا محوريا في مسلسل اتخاذ القرار وبناء السياسات العمومية دون سعي للوصول الى السلطة لأن ذلك من شأنه الوقوع في اختلافات تنتج خلافات ومفاوضات عقيمة بدلا من الوحدة والتقدم الايجابي.

 

ان الوجه الاخر للحوكمة داخل المؤسسات الجمعوية يظهر ضعفا ان لم نقل غيابا في التوافق بين هذين المتغيرين. هدفنا من خلال هذه الفقرة هو تسليط الضوء على بعض جوانب ضعف أو غياب الحوكمة  بجمعيات المجتمع المدني بالمغرب، وذلك انطلاقا من مبادئ الحوكمة الانفة الذكر.

العدالة : ان تمثيل المواطنين بشكل عادل يوجب أساسا احترام شروط الديمقراطية في اختار الأعضاء المسيرة للجمعية وهو أمر ضعيف الحضور في الجمعيات بالمغرب. وبالتالي فالعدالة كأسمى مبادئ الحوكمة مفقودة في هذا الاطار.  

الشفافية :  من تجليات الحكامة الجيدة ان يكون أصحاب المصلحة المباشرين أي المواطنون، على علم تام بأشطة وعمل الجمعية، وكذا استعداد هذه الاخيرة لنشر ومشاركة معلوماتها المالية بشكل واضح مع  العموم. وهذا الأمر بدوره مفقود لدى المؤسسات الجمعوية بالمغرب.

المسؤولية : كل عضو من أعضاء الجمعية مسؤول عن القيام بمهامه بمهنية ومصداقية عالية. لكن الواقع يظهر جليا تباطئ العديد في القيام بمهامهم كما يجب مما يعيق تحقيق الأهداف التنموية المنشودة.

المحاسبة : هي من مفاتيح نجاح المؤسسات الجمعوية في مهامها ونجاعة تدخلاتها على جميع المستويات. المحاسبة والمسؤولية يسيران جنا الى جنب. فحين يمنح أعضاء الادارة مسؤولية التصرف واتخاذ القرارات فلا بد من مراقبة ادائهم لضمان حسن أداء المؤسسة، لكن هذا المبدأ أيضا مفقود لدى المؤسسات الجمعوية بالمغرب.  

 

وختاما، فان الحوكمة مفهوم متشعب ومركب، الشيء الذي جعل تعريفاته متعددة وأساليبه مختلفة. لكن يبقى الأمر المؤكد هو أن احترام مبادئ الحوكمة من شأنه أن يرفع من مردودية وأداء منظمات المجتمع المدني.

 بالاضافة الى ذلك فان استيعاب طبيعة العلاقة بين الحوكمة والمؤسسات الجمعوية بشكل جيد يستوجب دراسة نظرية وميدانية معمقة.

 

بقلم خديجة أبرجي

باحثة بسلك الدكتوراه – علوم الاقتصاد والتدبير–  جامعة محمد السادس بالرباط